الجواهر الطبيعية والأحجار لا تغيّر أقدارنا

الأحجار لا تغيّر مشيئة الله،
ولا الاستغفار ولا الصدقات،
كذلك
الدُّعاءُ لا يُغَيِّر مشيئةَ الله
.

اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ اللهَ تعالى يَسْتَحِيلُ عليهِ التَّغَيُّر لأنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ صِفاتِ المَخْلوقاتِ، فَلَا تتَغَيَّرُ مَشيئةُ اللهِ تعالى بِدَعْوَةِ داعٍ ولا صَدَقةِ مُتَصَدِّقٍ، ولا بحجر من الأحجار ولا بشيء من الأشياء.

وإنّما أُمِرْنا بالدُّعاءِ إظْهارًا لِلْعُبودِيّةِ.
فَمَنْ وافقَ دُعاؤُهُ ما قَدَّرَ اللهُ حصولَهُ حصلَ مَطْلوبُ العَبْدِ، وإنْ لمْ يُوافِقْ دُعاءُ الشّخصِ ما قَدَّرَ اللهُ تعالى لمْ يَحْصُل مَطْلوبُهُ لكنَّهُ اسْتَفادَ الثّوابَ على عِبادَتِهِ.
ولو التمسنا الأسباب لحصول المنافع كاستعمال الأحجار أو الدواء للشفاء فإن ذلك سبب لحصول النفع، بخلق الله ينفع، فالنافع والضار على الحقيقة هو الله.

فالدُّعاءُ لا يُغَيِّرُ مَشيئَةَ اللهِ لأنَّ اللهَ تعالى يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ يُبَدِّلُ ولا يَتَبَدَّل.
والأحجار لا تُغيّر مشيئة الله عز وجل.
وقدْ قالَ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}.

وقدْ روَى مسلِمٌ عنْ ثَوْبانَ عنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم “سَألْتُ ربّي ثلاثًا فأعْطاني ثِنْتَيْن ومَنَعَني واحِدة”، وفي روايةٍ “قالَ لي يا مُحَمَّدُ إنّي إذا قَضَيْتُ قضاءً فإنَّهُ لا يُرَدُّ”.

وأمّا ما ورَدَ في الحديثِ “لا يَرُدُّ القضاءَ إلّا الدُّعاء” فالمُرادُ بهِ ما كانَ مِنَ القضاءِ المُعَلَّقِ. فإنَّ القضاءَ منْهُ ما هوَ قضاءٌ مُعَلَّقٌ ومنهُ ما هوَ قضاءٌ مَحْتومٌ.

والقضاءُ المُعَلَّقُ هوَ كأن يكونَ مَكْتوبًا في صُحُفِ الملائكةِ التي نَقَلوهَا منَ اللّوْحِ المَحْفوظِ: أنَّ فُلانًا إنْ وصَلَ رَحِمَهُ أوْ بَرَّ والِدَيْهِ أو دَعا بِكَذا يَعيشُ إلى المائة أوْ يُعْطَى كذا منَ الرِّزْقِ والصِّحّةِ، فإنْ لمْ يَفْعَلْ ذلك يَعيشُ إلى السِّتِّين ولا يُعْطَى كذَا منَ الرِّزْقِ والصِّحةِ.

أمّا أيُّ الأمْرَيْنِ سَيَقعُ أخيرًا فَمَكْتوبٌ في اللّوْحِ المَحْفوظِ ولكنَّ الملائكةَ الكِرام لا يَعْرِفونَهُ في الابْتِداءِ.
هذا مَعْنى القضاء المُعَلّق أو القَدَر المُعَلَّق.

وليسَ مَعْناهُ أنَّ تَقْدِيرَ اللهِ الأزَليّ الذي هوَ صِفَتُهُ مُعَلَّقٌ على فِعْلِ هذا الشّخْصِ أوْ دُعائِهِ، لا، وليسَ معْناهُ أنَّ ما سَبَقَ في عِلْمِ اللهِ ومَشيئَتِهِ مُعَلَّقٌ على فِعْلِ هذا الشَّخْصِ أوْ دُعائِهِ، لا، فاللهُ تعالى يَعْلَمُ كلَّ شىءٍ لا يَخْفَى عليه شىءٌ. هوَ يَعْلَمُ بِعِلْمِهِ الأزَلِيِّ أيَّ الأمْرَيْنِ سَيَخْتارُ هذا الشَّخصُ وما الذي سَيُصيبُهُ.

وقد يتساءل البعض: مَا مَعْنَى حَدِيثِ لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاء وَلا يَزِيدُ فِى الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرّ

  اعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ الله تَعَالَى أَزَلِىٌّ لا يَتَغَيَّرُ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ عَلامَاتِ الْحُدُوثِ الله مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَاعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَجَلَ الإِنْسَانِ لا يَتَغَيَّرُ وَأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَأَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ أَجَلَهُ بَلْ قَتَلَهُ لِأَجَلِهِ الَّذِى شَاءَ الله أَنَّ يَكُونَ لَهُ قَالَ الله تَعَالَى ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾. وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا إِنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ عَلَى الْقَتِيلِ أَجَلَهُ وَهَذَا كُفْرٌ. أَمَّا حَدِيثُ لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلا يَزِيدُ فِى الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرّ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الدُّعَاءَ يُغَيِّرُ تَقْدِيرَ اللهِ أَوْ مَشِيئَةَ الله أَوْ أَنَّ الْبِرَّ يَزِيدُ مِنْ عُمُرِ الإِنْسَانِ بِتَغْيِيرِ الْعُمُرِ الَّذِى شَاءَ الله أَنَّ يَكُونَ لَهُ إِنَّمَا الْمُرَادُ مَا كَتَبَتْهُ الْمَلائِكَةُ مُعَلَّقًا بِأَنْ كَتَبُوا إِنْ فَعَلَ فُلانٌ كَذَا يَكُونُ عُمْرُهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا يَكُونُ عُمْرُهُ كَذَا وَعِنْدَ الله مَعْلُومٌ إِنْ كَانَ سَيَفْعَلُ وَيَعِيشُ كَذَا أَوْ لا يَفْعَلُ وَيَعِيشُ الْعُمُرَ الأَدْنَى لِأَنَّ الله  لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَىْءٌ أَمَّا الْمَلائِكَةُ فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِى قَوْلِهِ ﷺ وَلا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاء مَعْنَاهُ إِنْ كَانَتِ الْمَلائِكَةُ كَتَبَتْ إِنْ دَعَا فُلانٌ بِكَذَا حَصَلَ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَدْعُ لَمْ يَحْصُلْ فَيَرْجِعُ الْمَعْنَى إِلَى الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ الله لا تَتَغَيَّرُ مَشِيئَتُهُ وَلا يَتَغَيَّرُ تَقْدِيرُهُ.

مَا هُوَ دَلِيلُ المُسلمين عَلَى أَنَّ الله تَعَالَى لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ داعٍ؟

قَالَ رَسُولُ الله ﷺ “سَأَلْتُ رَبِّى أَرْبَعًا فَأَعْطَانِى ثَلاثًا وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا”.

وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ دَاعٍ لِأَنَّ الله تَعَالَى لَوْ كَانَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِدَعْوَةٍ لَغَيَّرَهَا لِحَبِيبِهِ الْمُصْطَفَى ﷺ.
وبالتالي فمن باب الأولى أنّ مشيئة الله وتقديره لا يتغير بحجر من الأحجار
إنما لو حصل نفع لمن استعمل هذه الأحجار فيكون قدّر الله له في الأزل أن ينتفع بهذا الحجر.

ثم إنّ التغيّرَ أقوى علامات الحدوث (الحادث أي المخلوق، فالمُتغيّر حادث، والحادث مخلوق، حَدَثَ بعد أن لم يكن) والحدوثُ مستحيلٌ على الله.

العالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حادِثٍ، فالعالَمُ حادِثٌ.
ثمَّ بعدَ هذهِ الجُمَلِ إيضاحٌ وَتَتِمَّةٌ لهذا وهوَ لا بُدَّ لهُ مِن مُحدِثٍ ومُحدِثُهُ اللهُ. فإذا كانَ
العالَمُ حادِثاً بدليلِ العقلِ فلا بُدَّ مِن مُحدِثٍ ومُحدِثُهُ اللهُ.
والجواهر هي من الحوادث المخلوقة التي تنفع بخلق الله وهي أي الأحجار لا تخلق شيئا.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ “سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا” أَىْ سَأَلَ الله لِأُمَّتِهِ أَن لا يَكْفُرُوا كُلُّهُمْ وَلا جُمْهُورُهُمْ وَهُمُ الأَكْثَرُ عَدَدًا وَإِنْ كَفَرَ بَعْضُهُمُ الَّذِينَ هُمُ الأَقَلُّ.

وَقَوْلُهُ ﷺ “وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا” أَىْ سَأَلَ الله أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَذَابًا يَسْتَأْصِلُهُمْ جُمْلَةً كَالْغَرَقِ أَوِ الْمَجَاعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ فِى أُمَّةِ نُوحٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَهْلَكَهُمُ الله بِالطُّوفَانِ.

وَأُمَّةِ هُودٍ وَهُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ هُودًا فَأَهْلَكَهُمُ الله بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ أَىْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ تُحْرِقُ بِبَرْدِهَا كَإِحْرَاقِ النَّارِ

وَأُمَّةِ صَالِحٍ وَهُمْ قَوْمُ ثَمُودَ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ صَالِحًا فَأُهْلِكُوا بِصَيْحَةٍ كَالصَّاعِقَةِ صَاحَهَا بِهِمْ جِبْرِيلُ فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فَمَاتُوا.

وَقَوْلُهُ ﷺ “وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا” أَىْ سَأَلَ الله أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَدُوًّا كَافِرًا يَسْتَأْصِلُهُمْ كُلَّهُمْ

فَلا يَسْتَطِيعُ الْكُفَّارُ وَلَوِ اجْتَمَعُوا مِنْ بَيْنِ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا أَنْ يُبِيدُوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَيُفْنُوهُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لِأَنَّ الله لا يُمَكِنُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ “وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا” أَىْ سَأَلَ الله أَنْ لا يَجْعَلَ أُمَّتَهُ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْطِهِ الله ذَلِكَ

وَفِى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ “يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ”، مَعْنَاهُ لا أُعْطِيكَ هَذَا الطَّلَبَ لِأَنِّي شِئْتُ فِى الأَزَلِ أَنْ يَصِيرَ فِى أُمَّتِكَ قِتَالٌ بَيْنَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ.

فالله تبارك وتعالى هوَ خالقُ كلِّ شىء،
هوَ خلَق أسبابًا ومسَبَّباتٍ لها،
خلَقَ الأسبابَ وخَلق المسبَّباتِ لهذه الأسباب،
خَلَق الدّواءَ وخلَق الشّفاءَ عندَ استِعمالِه،
خلَق الطّعام وخَلَق الشِّبَع عندَ أَكلِه،
وخَلَق النّار وخلَقَ الحُرقَةَ عندَ مَسِّها،
فاللهُ تباركَ وتعالى هو خالقُ الأسبابِ والمسبَّباتِ،
ليستِ الأسبابُ تَخلُق مُسَبَّباتِها، وليست الأسباب تُغيّر الأقدار، فاقدين الله أزليّ لا يتغيّر.
الجواهر الطبيعية قد تكون سببا في نفع العباد وذلك بمشيئة الله عزّ وجلّ وتقديره وتخليقه وعِلمه.

واللهُ سبْحانَهُ وتعالى أعْلَمُ وأحْكَمُ والحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ أوَّلًا وآخِرًا وأبَدًا.

2 thoughts on “الجواهر الطبيعية والأحجار لا تغيّر أقدارنا

  1. حجر العقيق الكبدي لا يفارق عنقي إلا وقت الإستحمام. نفعني في تقوية قلبي على إحساس الوحدة و على نوبات البكاء الشديد و كله بإذن الله.
    بارك الله فيك 🤍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top